قلت: وألف في حله أيضا سيدنا العارف عبد الغني النابلسي رسالة سماها الصلح بين الاخوان في إباحة شرب الدخان وتعرض له في كثير من تآليفه الحسان، وأقام الطامة الكبرى على القائل بالحرمة أو بالكراهة، فإنهما حكمان شرعيان لا بد لهما من دليل ولا دليل على ذلك، فإنه لم يثبت إسكاره ولا تفتيره ولا إضراره، بل ثبت له منافع، فهو داخل تحت قاعدة الاصل في الاشياء الاباحة، وأن فرض إضراره للبعض لا يلزم منه تحريمه على كل أحد، فإن العسل يضر بأصحاب الصفراء الغالبة، وربما أمرضهم مع أنه شفاء بالنص القطعي، وليس الاحتياط في الافتراء على الله تعالى بإثبا ت الحرمة أو الكراهة اللذين لا بد لهما من دليل، بل في القول بالاباحة التي هي الاصل.
وقد توقف النبي صلى الله عليه وآله مع أنه هو المشرع في تحريم الخمر أم الخبائث حتى نزل عليه النص القطعي، فالذي ينبغي للانسان إذا سئل عنه سواء كان ممن يتعاطاه أو لا كهذا العبد الضعيف وجميع من في بيته أن يقول هو مباح، لكن رائحته تستكرهها الطباع، فهو مكروه طبعا لا شرعا إلى آخر ما أطال به رحمه الله تعالى، وهذا الذي يعطيه كلام الشارح هنا حيث أعقب كلام شيخه النجم بكلام الاشباه وبكلام شيخه العمادي وإن كان في الدر المنتقى جزم بالحرمة، لكن لا لذاته بل لورود النهي السلطاني عن استعماله ويأتي الكلام فيه.
) رد المختار ج:27 ص: 226)
وَقَالَ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ شُرْبُهُ حَلَالٌ وَحُرْمَتُهُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ طَارِئٍ ، وَقَالَ شَيْخُنَا س ل لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الشبراملسي ا هـ بِرْمَاوِيٌّ .
(حاشية الجمل ج:2 ص: 116)
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِوَاجِبٍ تَأَكَّدَ وُجُوبُهُ ، وَإِنْ أَمَرَ بِمَنْدُوبٍ وَجَبَ ، وَإِنْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ كَتَرْكِ شُرْبِ الدُّخَانِ وَجَبَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ عَامَّةً م د
(حاشية البجيرمي على الخطيب ج:5 ص:475)
فيجب عليهم طاعته فيما ليس بحرام ولا مكروه ومن مسنون وكذا مباح إن كان فيه مصلحة عامة والواجب يتأكد وجوبه بأمره به ومن هنا يعلم أنه إذا نادى بعدم شرب الدخان المعروف الآن وجب عليهم طاعته وقد وقع سابقا من نائب السلطان أنه نادى في مصر على عدم شربه في الطرق والقهاوي فخلف الناس أمره فهم عصاة إلى الآن إلا من شربه في البيت فليس بعاص لانه لم يناد على عدم شربه في البيت أيضا
( حواشي الشرواني ج:3 ص:69 * تحفة المحتاج ج:10 ص:271)
وَأَفْتَى جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّةِ كُلِّ مَذْهَبٍ بِالْإِبَاحَةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِمَّا سَكَتَ عَنْهُ الْمَوْلَى فِي كِتَابِهِ فَهِيَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ { الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ رَحْمَةً بِكُمْ فَهُوَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ } قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ أَيْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حِلِّهِ وَلَا حُرْمَتِهِ نَصًّا جَلِيًّا وَلَا خَفِيًّا فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ فَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ مَا لَمْ يَرِدْ النَّهْيُ عَنْهُ .
وَأَلَّفَ الشَّيْخُ عَلِيُّ الْأُجْهُورِيُّ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ لِحِلِّ مَا لَا يُغِيبُ الْعَقْلَ مِنْ الدُّخَّانِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْفُتُورَ الَّذِي يَحْصُلُ لِمُبْتَدِئِ شُرْبِهِ لَيْسَ مِنْ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ فِي شَيْءٍ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّهُ مِمَّا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ فَلَيْسَ مِنْ الْمُسْكِرِ قَطْعًا لِأَنَّ الْمُسْكِرَ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَطَابَةُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِمَنْ لَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ كَاسْتِعْمَالِ الْأَفْيُونِ لِمَنْ لَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَقَدْ يُغَيِّبُ عَقْلَ شَخْصٍ وَلَا يُغَيِّبُ عَقْلَ آخَرَ وَقَدْ يُغَيِّبُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكَثِيرِ دُونَ الْقَلِيلِ وَنَظْمُهُ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَنْ تَقُولَ شُرْبُ الدُّخَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يُغَيِّبُ الْعَقْل مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ مِنْهُ لِذَاتِهِ وَالصُّغْرَى مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ أَوْ الْمُشَاهَدَاتِ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُفْسِدِ وَنَجَاسَتُهَا لِبَلِّهَا بِالْخَمْرِ إنْ تَحَقَّقَتْ فَحُرْمَتُهَا لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ
(انوار البروق فى انواع الفروق ج: 1 ص: 361 )
Tidak ada komentar:
Posting Komentar